تعاني الجماعة القروية جمعة اسحيم الواقعة على بعد حوالي 45 كيلومترا عن بإقليم أسفي ، من العزلة القاتلة التي فرضتها الطبيعة على قاطنيها من جهة، والتهميش والإقصاء الذي فرضته الجهات المسئولة على مستوى الإقليم والمركز من جهة أخرى، ما جعلها تعاني تأخرا في شتى المجالات التنموية.
مظاهر التهميش والحرمان الذي تتخبط فيها جماعة جمعة اسحيم عكرت صفو حياة الساكنة وحولتها إلى شبه مستحيلة، إذ لم تتمكن بعد من الظفر بحياة كريمة، وحقها في التنمية. ورغم ذلك يبقى الأمل عالقا في نفوس السكان في تنمية منطقتهم وإخراجهم من الفقر والحرمان.
تنمية مفقودة وحلول ترقيعية * أضحت جماعة جمعة اسحيم الواقعة بالنفوذ الترابي لدائرة عبدة مضرب مثل في الحياة المزرية التي يلمسها كل زائر إلى المنطقة. “لعل الفقر والحرمان والإهمال هو عنوان عريض للحياة البدائية التي تعيشها الساكنة بهذه الجماعة التي وضعتها الجهات المسئولة خارج حساباتها التنموية”،
يقول م * ك * فاعل جمعوي بالمنطقة. أول مشكل طرحه عدد من المواطنين ممن التقت بهم جريدة الحي بريس ، خلال إعدادها هذا الربورتاج، هو غياب مظاهر التنمية في منطقتهم على مستوى مركز الجماعة والدواوير التابعة لها، مبرزين أن الجماعة لم تنل نصيبها من التنمية المحلية كغيرها من الجماعات الترابية بالإقليم.
ويقول *م * ك * الفاعل الجمعوي النشيط بالجماعة السالف ذكرها: “الجماعة تعاني خصاصا مهولا في شتى المجالات، من المسالك الطرقية والصحة والنقل المدرسي…”، مبرزا أن الجماعة تلتجئ من حين إلى آخر إلى حلول ترقيعية من أجل محاولة إسكات أصوات تنادي بالتغيير والتنمية، وفق تعبيره.
ولفت المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة الحياد بريس ، إلى أن السلطة يجب أن تهتم بهذه المناطق وتحقق بها العدالة المجالية والاجتماعية لتفادي احتجاجات المواطنين، مضيفا أن “هناك أصوات جمعوية بعدد من الدواوير التابعة للجماعة تطالب بثورة شعبية في وجه الفساد تمكن الجماعة من نصيبها من المشاريع التنموية”، وفق تعبيره.
وفي هذا الإطار قال عضو ضمن أغلبية مكتب جماعة أ جمعة اسحيم ، فضل عدم كشف هويته للعموم، لكونه غير مسئول عن الإدلاء بالتصريحات لوسائل الإعلام، (قال) إن “الميزانية المخصصة للجماعة محدودة وضعيفة ولا تكفي لإنجاز أبسط المشاريع”، مشيرا إلى أنها “تكفي فقط لتغطية المشاريع الترقيعية”، وزاد موضحا أن الجماعة تعمل جاهدة من أجل جلب مشاريع تنموية كبرى بشراكة مع القطاعات الوزارية المعنية، وفق تعبيره.
وتشتكي الساكنة من غياب متطلبات عدة تعتبر من الضروريات الأساسية في حياتها اليومية، ما جعلها تتذمر صباحا ومساء، ودفع عددا من ناشطيها إلى توجيه نداء إلى المسئولين، باستغلال وجود جريدة الحياد بريس ، مطالبين الجهات المعنية بضرورة التدخل العاجل وإعادة الاعتبار للمنطقة وساكنتها المنسية.
لعنة النسيان
بمجرد أن تطأ قدماك مركز جماعة جمعة اسحيم تستطيع قراءة أول فصول المعاناة وحالة اليأس والإحباط التي تعيشها الساكنة، بسبب الظروف الاجتماعية القاسية والمزرية التي مست جميع جوانب الحياة..حياة البؤس والشقاء التي يكابد معاناتها المواطنون، والتي تجعلهم عرضة لجميع أشكال الاستغلال، خصوصا الأطفال منهم .
وكشفت الزيارة التي قامت بها جريدة الحياد بريس إلى المنطقة مدى صعوبة الحياة بها والمعاناة التي تكابدها الساكنة يوميا، إذ لازالت تعتمد على المقومات البدائية من أجل البقاء؛ وتبدأ معاناتها مع غياب مسالك طرقية معبدة، تنهار كل مرة بسبب التقلبات المناخية، وهو ما يحول دون قضاء المواطنين لحاجياتهم الإدارية والمعيشية .
تناقضات اجتماعية كثيرة تعيشها هذه المناطق النائية، التي تخفي أسوارها قصصا وحكايات تأخذ منها العبر؛ وهي فرصة للاعتراف بعجز المسئولين والمجلس الجماعي وجمعيات المجتمع المدني عن الوصول إلى هذه المناطق حتى الآن، ما دفع بها إلى المزيد من التخبط وبؤس العيش ومعاناة الناشئة.
وفي هذا الصدد، أكدت سيدة من ساكنة جماعة جمعة اسحيم ، أن “لعنة النسيان هي التي أصابت هذه المنطقة”، وزادت: “المخزن والمسئولين ديالو لا يعرفون وجود جماعة اسمها جمعة اسحيم ، وغير مبالين بمشاكلها”، مضيفة أن بعض المسئولين بوجود المنطقة وفق تعبيرها.
وشددت المتحدثة، في تصريح لجريدة الحياد بريس ، على أن هناك تناقضا بين ما يتم الترويج له في الإعلام الرسمي حول التطور الذي تعرفه الجماعة في شتى المجالات التنموية والاجتماعية والاقتصادية، وبين ما تعيشه ساكنة الدواوير في الواقع أضحوكة ومهزلة ، موضحة أن “الوضع أصبح مقلقا ويتأزم يوما بعد يوم، وأصبح مثل القنبلة الموقوتة، ينتظر الانفجار”، على حد قولها.
من جهته، لم يخف عضو مكتب جماعة جمعة اسحيم ، في تصريح مقتضب لجريدة الحياد بريس ، أن التنمية بالجماعة أصابتها لعنة النسيان من قبل المسئولين المركزيين، مشددا على أنه “رغم ما تبذله الجماعة والعمالة من مجهودات للرقي بالمجال التنموي، هناك خصاص وعجز في توفير موارد مالية كفيلة بتحقيق الطموحات المذكورة”، وفق تعبيره.
ضبابية في الرؤية التنموية
- م * ك *، فاعل جمعوي جمعة اسحيم ، أكد أن هذه الأخيرة لها من المؤهلات ما يجعلها جوهرة ، “غير أن الضبابية التي تسود برامج التنمية بالمنطقة غالبا ما تدفعها إلى الفشل ، سواء بسبب ضعف القيادات المحلية و المنتخبون أو انعدام التمويل المستدام”، وزاد: “لا أحد ينظر إلى أن مداخل التنمية في هذا المجال متعددة، وتتنوع ما بين التاريخي الثقافي والجغرافي الفلاحي والسياسي الإداري”.
وشدد المتحدث ذاته، في تصريح للحياد بريس ، على أن “الحاجة إلى مخطط تنموي واضح المعالم، يقوده الفاعل السياسي بدون تكبر وعجرفة وبتنسيق مع الفاعلين الترابيين بمختلف مستوياتهم وبشراكة مع فعاليات المجتمع، ملحة ومصيرية لتحقيق إقلاع تنموي يأخذ بالخصوصيات السيوسيومجالية لهذا المجال الترابي، ينهل من جذوره التاريخية المتنوعة وموقعه الجغرافي المتميز، وهذا يقتضي بالضرورة إرساء آليات محلية لقيادة التنمية تنفتح على المخططات التنموية الإقليمية والجهوية والمركزية”، وفق تعبيره.
حلول مقترحة
يرى الشارع المحلي بجمعة اسحيم أن التنمية بالمنطقة تحتاج إلى تشاور موسع بين مختلف الفاعلين في مختلف المجالات. ويؤكد الكثيرون أن جهة معينة لوحدها غير قادرة على رفع تحدي انتشال المنطقة من التهميش والهشاشة التي تعيشها منذ عقود، وهو ما يقتضي توسيع دائرة الإشراك في صياغة برامج تنموية تستدرج الجميع وتشرك مختلف شرائح المجتمع المدني. ويقترح بعض المهنيين التركيز في الوقت الراهن على النهوض بقطاعي الفلاحة وتوفير البنيات الأساسية لاحتضان المشاريع الفلاحية لتسويق المجال وتحقيق الإشعاع.