عندما ينظم حفل لتكريم صحافي، يتناوب على منصة الخطابة زملاؤه ورفاق دربه ورؤساؤه ومرؤوسوه والمسؤول على قاعة الحفل، يدلون بشهاداتهم يبوحون بأسرار عشرتهم، ثم يأتي المحتفى به ليشكرهم على كل ما قالوا في حقه وما لم يقولوه، ينتهي الحفل بهدايا وتذكارات وباقة من الأماني، ثم يمضي كل إلى غايته.
عندما ينظم حفل لتكريم لاعب لكرة القدم، تنسحب منصة الخطابة فلا داعي للكلام، أما زملاؤه المحتفون به، فإنهم ينخرطون في مباراة تكريم يستحضرون فيها ما تبقى من مواهب، يبللون القمصان بالعرق احتفاء بزميلهم، يسلمون هدايا الاعتزال ثم يغادرون الملعب وهم يتبادلون الاحتجاج على حكم أو لاعب أو حارس الملعب أحيانا.
يكرم الشعراء بقراءات في دواوينهم ويكرم الفنانون بعزف أشهر أغانيهم، ويكرم السياسيون حين يكتبون سيرهم الذاتية، وتكرم النساء بورود في يومهن العالمي، وحدهم رؤساء الفرق لا يكرمون إلا ببطاقة شرفية.
في حفل تكريم الصحافي مصطفى العلوي، من طرف جمعية العرفان، الوضع مختلف، فقد تناوب على منصة الخطابة عدد من المدعوين، أغلبهم تقاسموا معه مهنة المتاعب وقلة منهم جرهم الحنين لإعلام الأمس، حيث الخبر الخام والمعلومة الخالية من مواد الإثارة.
لا أحد يشك في مكانة مصطفى العلوي كمحاور بارع يقتحم أحيانا الأسلاك الشائكة للسياسة، وإذا انتابت أحدهم نوبة شك، عليه بجولة قصيرة في سوق درب غلف وتحديدا جناح الأشرطة المقرصنة، ليتوقف عند حلقات برنامج حوار وهي تباع بعشرة دراهم.
في حفل تكريمه حضرت المفارقات العجيبة وحلقت فوق فضاء المكتبة الوسائطية، دون أن تفسد للود قضية.
في سيرته تستوقفنا المفارقات، فالفتى المرهف المشاعر سيلتحق بالمدرسة العسكرية بمكناس بناء على قرار مجلس العائلة، لكنه سيرمي البندقية ويحمل القرطاس والقلم.
أصر “الشريف” على دخول التلفزيون قبل أن يتحرك، ويصبح شاعر التغطيات الرسمية، فالتصق به لقب “مسقط الطائرات”، خاصة في صحافة اليسار. في ليلة تكريمه سحب منه هذا النعت التابع لمنعوته، واعترف خصومه بأن الرجل شكل مدرسة إعلامية قائمة الذات.
في ذروة حرب الصحراء المغربية، اختار مصطفى العلوي التصدي للأبواق التي أنشأها معمر القذافي لضرب استقرار المغرب. وكان برنامج “دعوة الحق” يرد على الغارات الإعلامية التي تستهدف بلادنا فيكشف لنا كل مساء عورات الحكام العرب المصطفين في خندق الجزائر.
كان العلوي يصف القذافي بـ”الكديديفي” ويطلق على الهواري بومدين اسم العائلة القديم “بوخروبة”، كما خصص لجمال عبد الناصر وحافظ الأسد حلقات انتقد فيها ارتماءهم في أحضان الشيوعية.
كان رأس العلوي مطلوبا من اللجان الشعبية الليبية، ومن حزب البعث ومن دعاة الناصرية، قبل أن تتوقف الإذاعات عن بث الضغينة لتعلن القطيعة مع البيانات العسكرية وتستقيل من النبش في سير الزعماء.
في ليلة التكريم، سقطت الأقنعة عن حملة معاول الهدم، واعترف الراسخون في دار لبريهي بوجود دسائس الأثير وانتشار وباء الوشايات الكاتمة للصوت.
طلب الحسن الثاني يوما من أحد مستشاريه، خفض صوت المذياع حين كان العلوي يتحدث عن إنجازات أبطالنا في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، فاجتهد “أصحاب الحسنات” في تأويل إشارة ملكية وتكييفها لتصبح قرارا تأديبيا ومصادرة لهذا الصوت.
وحين تم القران بين الداخلية والإعلام، خرج العلوي عن صمته وتساءل عن نوعية الخطأ الذي زج به في “لاكاب” النسيان، فطلب إدريس البصري توضيحات حول أسباب توقيف مصطفى العلوي فلم يجد لها أثرا، ثم أعاده إلى التلفزة منتصب القامة مرفوع الهامة.
في تكريم صاحب برنامج حوار، سجل غياب عشيرة الكرة إلا ثلة من الصحافيين الرياضيين، ربما لأن لكوايرية لا يعرفون إلا علوي الوداد وعلوي نهضة سطات، والشريف مدافع الدفاع الجديدي وشريف الوداد.
تكريم بأثر رجعي
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية