بقلم: الربي محمد أمين ** تُعد مدينة آسفي واحدة من المدن المغربية التي تزخر بإرث ثقافي وتاريخي هائل، ومع ذلك لا تزال تعاني من نقص واضح في القطاع السياحي، هذه المدينة التي تقع على الساحل الأطلسي وتتميز بجمال طبيعي خلاب، ما زالت لم تسثتمر سياحيا بالشكل الذي يليق بها، والسؤال الذي يطرح هو: “لماذا لا يتم الاستثمار في القطاع السياحي بمدينة آسفي؟”
عندما نتحدث عن آسفي، فإننا نتحدث عن مدينة عاشت قرونًا من التاريخ، فهي من أقدم المدن المغربية التي شهدت تعاقب حضارات مختلفة من الفينيقيين إلى البرتغاليين. تمتلك آسفي تراثاً معمارياً فريداً مثل “قصر البحر” الذي يُعد رمزاً تاريخياً للمدينة، و”دار السلطان” التي تعكس قوة الماضي التاريخي للمدينة. فهذه المعالم، وغيرها من الشواطئ الطبيعية الخلابة، تجعل المدينة ذات مؤهلات قادرة على استقطاب السياح من جميع أنحاء العالم، ومع ذلك، تظل هذه الإمكانات مهمشة بسبب سوء التخطيط وضعف التسويق السياحي وغياب إرادة حقيقية للنهوض بالمدينة.
إن الحديث عن واقع السياحة في مدينة آسفي يقودنا إلى سؤال جوهري حول انخراط جميع الأطراف للتغيير والنهوض بهذا القطاع الحيوي، وهو تحدٍ ليس من مسؤولية جهة واحدة فقط، بل هو مشروع جماعي يستدعي تظافر الجهود بين جميع الفاعلين المحليين والوطنيين؛ فالتنمية السياحية ليست مجرد بناء فنادق أو تنظيم مهرجانات مؤقتة، بل هي رؤية متكاملة تشمل تطوير البنية التحتية، تحسين الخدمات، واستغلال الموارد الطبيعية والثقافية الهائلة التي تزخر بها المدينة.
إن الطريق نحو جعل آسفي وجهة سياحية عالمية ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب أولاً إرادة سياسية حقيقية، ثم مشاركة فعالة من القطاع الخاص، وأخيراً دعم من المجتمع المحلي. سكان المدينة يجب أن يكونوا في قلب هذا التحول، فهم الأدرى بإمكانات مدينتهم وهم الأكثر حرصاً على تطويرها. ولذلك، فإن الاستثمار في السياحة يجب أن يُركز على تحسين مستوى معيشة السكان وتوفير فرص عمل جديدة ومستدامة.
كما يجب إدراك أن نجاح هذا المشروع يتطلب تغييراً في الرؤية الشمولية التي تتنظر للسياحة كمجرد قطاع ترفيهي أو هامشي، بل يجب النظر إليها على أنها رافعة اقتصادية رئيسية يمكن أن تُحدث تحولاً جذرياً في حياة المدينة وسكانها. إنها فرصة لتصحيح المسار، وتجاوز التحديات، وفتح آفاق جديدة أمام الجيل الصاعد، حيث يمكن للسياحة أن تصبح ليس فقط مصدراً للدخل، بل أيضاً وسيلة للحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للمدينة.
إلى جانب ذلك، يجب ألا نغفل عن أهمية الاستدامة في تطوير هذا القطاع. إن أي مشروع سياحي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على البيئة والشواطئ الجميلة التي تُميز آسفي، فالتنمية السياحية المستدامة هي التي توازن بين احتياجات اليوم ومتطلبات الأجيال القادمة، فلا يمكننا استغلال الموارد الطبيعية بشكل جائر دون أن نترك شيئاً للمستقبل.
وفي إطار تحقيق هذه الرؤية، يجب على المسؤولين المحليين تعزيز التعاون مع الجامعات والمراكز البحثية لإجراء دراسات معمقة حول أفضل السبل لتطوير السياحة في المدينة؛ يمكن للبحث العلمي أن يقدم حلولاً مبتكرة ومستدامة لتحديات المدينة، سواء في ما يتعلق بالبنية التحتية أو بالترويج والتسويق السياحي.
من جهة أخرى، لا يمكن أن نغفل الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه التكنولوجيا الحديثة في تسويق المدينة على المستوى الدولي. إن الاستثمار في التسويق الرقمي والترويج لآسفي عبر منصات التواصل الاجتماعي ومواقع السفر يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في جذب السياح. فالعالم اليوم متصل بشكل غير مسبوق، والترويج الذكي للمدينة يمكن أن يُعرّف الملايين حول العالم بجمالها وإمكاناتها السياحية.
في الختام، يمكن القول إن آسفي تمتلك كل المقومات لتصبح وجهة سياحية عالمية، لكنها بحاجة إلى إرادة حقيقية، واستراتيجية واضحة، وعمل جماعي مشترك، إن العمل على تطوير السياحة في المدينة لن يكون مجرد تحسين لقطاع اقتصادي وحسب، بل هو استثمار في هوية المدينة ومستقبل أبنائها وذاكرتها المعمارية، وحان الوقت لتحرير هذه الإمكانات وتحويلها إلى واقع ملموس يعزز من مكانة آسفي على خارطة السياحة الوطنية والدولية، ويجعلها تتألق بجدارة كما تستحق.
مدينة أسفي: المقومات التاريخية و الثقافية و آفاق التنمية السياحية
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية