بقلم عبد الهادي احميمو *** كثيراً ما أثيرت جدلية الناخب والمنتخب وذلك لجهة المسؤولية عن أسباب الفساد والصلاح، فبين قائل: “إن فساد الرعية من فساد حاكمها وصلاحها من صلاحه”، وبين قائل بعكس ذلك ومحاجج بأن المنتخب أولاً وأخيراً ابن البيئة، وأنه ليس سوى انعكاس لطبيعتها وبالتالي فإن المواطن هو من يتحمل وزر فساد حكامه بالمجلس البلدي . من حيث المبدأ يمكننا اعتبار كِلا النظريتين صحيحتان وتكملان بعضهما البعض، مع فارق أن إحداهما قد تطغى على الأخرى بسبب الظروف المكانية والزمانية الناظمة لكل منهما والمؤسسة للحالة الوجدانية المجتمعية بكل تناقضاتها، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان، الجزم بماهية الأسباب ومآلاتها، وبالتالي استمرار حالة الجدل بين الفريقين الأغلبية والمعارضة .
يتسلح أصحاب كِلا النظريتين بمجموعة من الآيات والأحاديث والمقولات والأمثال وكلوا يلغي بلغاه ، فأصحاب الرأي القائل بأن فساد الحاكم من فساد الرعية يتسلحون بأهم مقولة سير ضيم ولا دهن السير يسير ، رفعها البعض لدرجة حديث ونسبوه للنبي صلى الله عليه وسلم، بينما ضعفه وأنكره معظم أهل العلم، وهي مقولة: “كما تكونوا يولى عليكم” أو “كيفما تكونوا يولى عليكم“.
حيث يمكننا اعتبار المقولة صحيحة في مضمونها من حيث المبدأ، لكنها استخدمت في سياقات متعددة أهمها تبرئة الحاكم من مسؤولية الفساد والتخلف ، وإلقاء تبعية ذلك على عاتق المواطن ،بالفعل المواطن يتحمل قسط كبيرا في ذلك لأنه لم يتمكن من إختيار المرشح المناسب خلال فترة الإنتخابات ، التي ربما تكون فاسدة لكنها زادت فسادا بوجود الفاسدين المفسدين من المنتخبين وحاشيتهم وما يملكونه من قوة وسلطة ومال، التي سخرت جميعها كأدوات لتنفيذ سياسات هدامة أجبرت المواطن على القبول بها، لتصبح مسؤولة عن فساد المنتخبين بالمجلس البلدي وأي مجلس هدا ، فصمتها عن الفاسدين هو ما شجعهم على استمراء الفساد وجعل المواطن الضعيف شريكا لهم، وهنا لا بد من الاستشهاد بالآية الكريمة التي تقول (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً).
المنتخب الفاسد يحتاج لرعية فاسدين، فهو لا يستطيع أن يستمر بالحكم في بيئة صالحة لأنها ستقاومه وتتصدى له وربما تسقطه، لهذا نراهم يستميتون في محاولة إفساد المجتمعات بالتدرج أحيانا، وبطريقة الصدمة في أحيان أخرى متسلحين بالفاسدين من أبناء المجتمع ونخبه المزيفة التي صنعتها الأنظمة لتستخدمها في التسويف وقلب الحقائق والتدليس على الناس.
ربما يكون المجتمع المغربي و الأسفي على الخصوص الأقرب مثال حي على هذه النظرية، فمجرد وصول رجل فاسد لسدة الحكم رغم إنتماءاته السياسية وعنصريته البغيضة وكل أخلاقه ، دليل حي على المستوى الأخلاقي الذي وصلت إليه شريحة واسعة من المجتمع الأسفي الذي أوصله لسدة الحكم في انتخابات سادها التضليل والتزوير.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر فلابد من استحضار الحالة الحالية لمجلسنا، وكيف نجحت جوقة إعلامية بخداع المواطن الأسفي ، فشيطنت الثورة الأسفية ودفعت وسهلت لشريحة من المفسدين بقيادة المدينة إلى الهاوية وبمباركة المؤسسات و الهيأة السياسية التي لم تختار هي الأخرى من يحمل مشعلها السياسي،لكن يبقى السؤال المطروح هل الانقلاب على رئيس المنتخب إنقلاب شرعي ، بينما صمتت معظم الهتافات عما يحدث ولم تحاول التصدي لهذا الانقلاب الذي يدفع ثمنه حتى اليوم المواطن الأسفي الذي لا حولة له ولا قوة له وحتى الذين دعموه وشاركوا فيهلا بد لهم من المحاسبة ، فهل هي مسؤولية المواطن آم مسؤولية النظام السياسي أم كليهما معاً، أم هي نقمة ربانية وعقوبة على صمت الناس وعدم وقوفهم في وجه الباطل والفساد ؟
يقال: “إن المواطن على طريق التغيير ” وهي المقولة التي يتسلح بها أصحاب نظرية فساد المواطن من فساد الحاكم، فالأنظمة هي القدوة والمثال وهي الناظم لحركة المجتمع والمتحكم في سلوكه في زمننا هدا ، فالمال والسلطة عاملان حاسمان في مسألة السيطرة على المواطن وتوجيهها، فما يهم المواطن في غالبها هو توفر الأمان وسبل حياة كريمة ههههه يقولون ما لا يفعلون ، وهو ما يفترض أن توفره الأنظمة المسؤولة عن تسيير شؤون الرعية نمودج ( المجلس البلدي الحالي ) .
ولعل فساد الأنظمة هو بيت الداء وأس البلاء فنهب الثروات وتجميعها بيد الحاكم وعائلته وحاشيته وإنفاقها على بذخهم الخاص أو في غير مصارفها الشرعية ، لابد وأن ينعكس سلبا على حالة الناس الاقتصادية والمعيشية، مما يؤدي لانعدام فرص العمل وتلاشي جهود الرعاية الاجتماعية بمختلف أشكالها، لتنحصر في أدنى حالاتها أو فيما يقدمه الأفراد بالمجلس الجماعي والمجتمع المدني من مبادرات تطوعية لن تستطيع بحال أن تسد العجز الحاصل .
وعلى الحاكم ألا وهو(الرئيس ) إما أن يكون نعمة من الله وإما أن يكون نقمة، صلاحه من صلاح الرعية وصلاح الرعية من صلاحه، وفي تاريخنا أمثلة عديدة على صلاح حكام أصلح الله بهم الأمة ولعل أبرزهم الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي أصلح في عامين ما فسد في عقود فأعاد الإسلام لسيرته الأولى أيام كان خلافة راشدة، فكان سببا في صلاح الرعية وغناها، حتى إن المنادي لينادي على المحتاج والفقير فلا يجد من يجيبه، ثم قضيت ديون المسلمين وحوائجهم من حج وزواج وطلب علم، ففاض المال حتى قضيت ديون اهل الكتاب، ففاض المال حتى أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز بنثر الحب على رؤوس الجبال كي لا يقال جاعت الطير في بلاد المسلمين.
مما يعزز وجهة النظر القائلة أن صلاح الرعية من صلاح حاكمها قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: اعلموا أنهُ لا يزالُ النَّاس مُستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم. وقد روي أنه عندما جيء بغنائم كسرى إليه، نظر إليها وقال: “إن قوما أدوا هذا لأمناء”. فقال له علي بن أبي طالب: “إنك عففت فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعت“.
من هذه الأمثلة والأدلة يتبين لنا أن الناس على ما ألفت حكامها عليه، وهم في اهتمامهم على ما اهتم به ولاة أمرهم من (علم وورع وزهد وعفة وعدل) أو عكسها من (جهل وفجور وجشع ومجون وظلم)، فصلاح الناس والدنيا والدين بصلاح الأمراء والعلماء، وقد صدق من قال: إن الناس على دين ملوكهم والسلطان سوق يجلب إليها ما ينفق فيها. وقد صدق المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.